
كتب جورج العاقوري:
كالعادة في كل مشوار بين بيروت وبلدتي البقاعية المجاورة لبعلبك، أنا على موعد مع شعارات ورايات وصور شهداء “حزب الله” وقادته المحليين والايرانيين التي تمنعني – ولو لبرهة من الزمن – من نسيان سطوة الدويلة على الدولة وفرض طرف رأيه على الآخرين بما يشبه الترهيب المعنوي وحقيقة هوية حزب الله ومشروعه وولائه. هذا المشهد مستدام على مدار السنة ولا يقتصر على مناسبة وغير معني بالحملات التي تنظّمها وزارة الداخلية بين الحين والآخر بالتعاون مع البلديات لإزالة الصور والشعارات السياسية .
آخر تجليات هذا المشهد، هو رفع صور لامين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله مع “القدس أقرب” الذي إختارته وحدة الأنشطة الإعلامية في “الحزب” شعاراً لهذا العام لمناسبة “يوم القدس” التي يتم إحياؤها في الجمعة الأخير من شهر رمضان تلبيةً لنداء الإمام الخميني. شعار هذا العام مستوحى من كلمة نصرالله العام الماضي خلال هذه المناسبة التي صادفت في 19-5-2020 حيث أعلن “إننا اليوم أقرب ما نكون إلى القدس وإلى تحريرها بالرغم من كل التحولات الدولية والإقليمية و كل الفتن”.
في هذا الاطار، أطل نصرالله الجمعة 7-5-2021 معلناً أن “إسرائيل مأزومة”، محذراً من المناورات التي تطلقها الاحد 9-5-2021 ( إنها اكبر مناورة في تاريخها وتدوم شهراً كاملاً) ومؤكداً “ثبات محور المقاومة، وأقواها هو جمهورية ايران الاسلامية التي ومنذ أربعين عاما لم تحد عن موقفها هذا” و”سقوط رهانات الادارة الاميركية بسقوط ترامب”. كما أشاد بـ”صمود الشعب الفلسطيني” وصمود اليمن ومتوقفاً عند “ما قيل عن حوار سوري – سعودي” و”الحوار السعودي – الايراني في بغداد” وداعياً في الختام الى المزيد من الصبر وترابط الساحات.
هل يدرك السيد نصرالله أننا نحن المأزومون بسبب ترابط الساحات هذا وجعله لبنان ساحة مستباحة ودولة منهارة على الصعد كافة؟ ربما يدرك ويتعمّد!!! ببساطة لن أغوص في قراءته السياسية للمشهد في المنطقة لأن أولوية اللبنانيين في مكان وهو لبنان والخروج من “جهنم” الانهيار وأولويته في مكان آخر ولأن مشاهداتي في المنطقة تتخطى صوره و”القدس اقرب”.
الناس في بعلبك – الهرمل، كما في كل لبنان، همّهم لقمة العيش يا سيد قبل اليمن وسوريا وإيران وحتى القدس (مع الاقرار بأحقية قضيتها وإدانة ما تتعرض له في هذه الأيام). الجوع يشاركهم في تربية أطفالهم والبطالة ضيف دائم في منازلهم. يمشطون الصيدليات وصولاً الى زحلة بحثاً عن “راشيتة” ادوية وفي معظم الأحيان لا يعثرون عليها جميعها. طريقهم الى قبورهم مسهّلة أكثر من دخولهم الى المستشفيات. المؤسسات التربوية تترنح جراء الاقساط المتراكمة التي لم تسدد. مواسمهم الزراعية تختنق بسبب إرتفاع كلفة البذور والشتول والأدوية والمستوردة من جهة ووقف التصدير الى السعودية الذي قد يعممّ على باقي دول الخليج مع رمان “الكبتاغون”.
الناس في بعلبك – الهرمل، همّهم أن تكون تنقلاتهم “سالكة آمنة”، فلا يسقطوا بالرصاص الطائش إبتهاجاً او حزناً أو جراء الاشتباكات المسلحة المستدامة.
همّهم ألا يتعرضوا للسطو من قطاع الطرق وألا يكونوا أسرى خوات تفرض عليهم. همهم ألا يكونوا ضحايا شريعة الغاب القائمة والقانون “المعتور” الذي لا يطبّق الا على الضعيف.
همّهم ألا يذهب ما تبقى من أموالهم المتمثلة بالاحتياطي الالزامي على الدعم الذي يشاهدونه بأم العين يمرّ في قراهم ليهّرب عبر الحدود الى سوريا.
همّهم تأمين الكهرباء والبنزين والمازوت. فهل يدرك انني رصدت كل محطات من بعلبك الى بيروت ولم أعثر على محطة لملء سيارتي بالوقود كي لا تقطعني في الطريق؟
قبل تحرير القدس، فليعلم أن تحرير بيروت أقرب والطريق الى ذلك يمرّ بالامعاء الخاوية وبالمستقبل المعدوم والماضي المعلوم وبالصبر وتفكيك الساحات.
MediaFactoryNews©