عن المدخول ونوعية الخدمة

كتب جو خوري

نسمع ونقرأ كثيرا عن موظفين، سواء في الإدارات العامة أو الخاصة، ما زالوا يعملون بنفس الوتيرة ونظافة الكف، كما كانوا في زمن دولار ال ١٥٠٠ ليرة.
لهؤلاء ألف تحية واحترام، مع العلم أنّه لا يمكننا الفصل بين الإنتاجية والمدخول.
فمهما كانت طبيعة عملنا، ومهما كنّا من أصحاب الضمير الحي، لا بدّ لنا أن نتأثر بتدهور مدخولنا، وبالتالي تتأثّر نوعية عطائنا في العمل.
فأنا لا أتحدث هنا عن تبرير الرشوة، ولكنني أتفهّم التراجع في الإنتاجية ونوعية الخدمة، لموظّف اعتاد على مدخول معيّن، وها هو اليوم يجد أنّ راتبه لا يكفيه ثمن عشاء في مطعم، لو أنّه أراد اصطحاب عائلته، كما اعتاد أن يفعل.
فأداء الطبيب تراجع، وأداء الممرضة تراجع، وأداء أستاذ المدرسة والجامعة تراجع، كما جميع المهن الحرة والوظائف الخدماتية، حتى بتنا نلاحظ أن وظائف النصف دوام للطلاب في المطاعم، باتت بمثابة رفع عتب، بعد أن كنا نرى الفرحة والبهجة على وجوههم أثناء خدمتنا، وهم يحصّلون مدخولا خارجيا، يساعدهم في دفع فاتورة تحصيلهم العلمي.
كل شيء تأثر، كل إنسان تأثر، وباتت قلة المروءة حالة اجتماعية عامة.
قلّة المروءة في الذهاب إلى العمل، في مساعدة محتاج، في خدمة عامة، حتى بتنا نجد قلة المروءة عند الرياضيين المحترفين ومثابرتهم في التمارين…

يقولون إنّ الفلوس لا تجلب السعادة، ولكنّها في الحقيقة تؤثر على حياتنا بعدة طرق، منها الإيجابي ومنها السلبي.
فمنذ الفورة الصناعية والنفطية، صارت الفلوس إضافة إلى أنها مصدر الرزق، فهي أسلوب حياة، وصارت مرتبطة ارتباطا عضويّا بإنتاجية ونوعية عطاءات كل فرد منّا.
ليست صدفة أن البؤس والإفقار يحدّان من تطوّر الشعوب، ومن نظافة دوائرهم العامة والخاصة، كما الشوارع واامنازل والبيئة.
فالمدخول الفردي لم يعد شكلاً من أشكال النجاح فقط، لكنه صار معيارا لاقتصاد الدول ومدى تطوّرها وتنظيمها ونظافة بيئتها.
كما أنه في معظم الدول ذات المدخول الفردي المرتفع، نجد نسبة خرق القوانين متدنّية، والرشوة نادرة، كما وأن معيار الحس المجتمعي لديها مرتفع جدّا، بالمقارنة مع البلدان الفقيرة.

من هنا نصل إلى استنتاج أنّ ما تمّ التخطيط له منذ الطائف لم يكن وليد صدفة، وقد بات واضحا أنّه كان مقصودا، والهدف منه محو الطبقة الوسطى التي كانت تشكّل أكثر من ٧٠٪ من الشعب اللبناني، وها قد أصبحنا اليوم كما في البلدان المتخلفة، طبقتين إجتماعيتين: الأولى بالكاد تشكّل ١٪ من عدد السكان، وهي فاحشة الثراء والفساد، والثانية موزعة بين فقيرة ومحتاجة جدّا وتخضع لأموال وإرشادات الواحد بالمئة “الفاحشة” بكل معانيها!

في الختام، إنّ الشعوب التي لا تملك ذاكرة جماعية، تستطيع من خلالها التحليل ودراسة المسبّبات التي أوصلتها إلى مشاكلها، فتعالجها إما بالإنتخابات وإما بثورة حقيقية يقودها متنوّرون، هي شعوب لا تستحق وطنا، ولا يحقّ لها أن تطالب بالعدالة الاجتماعية.

Read Previous

شرف الدين لموقعنا: بالارقام هذه خطتنا لعودة النازحين وهذا ما فعلته سوريا

Read Next

الحزب يتواصل مع النوّاب