
كتب رأفت حرب
تحدثت وسائل الإعلام الإيرانية عن قفزة کبیرة في مستوی التجارة وخطط طموحة للمستقبل في العلاقات الاقتصادية مع روسيا، وذلك بالتزامن مع زیارة وفد روسي رفیع المستوی یرأسه مساعد رئیس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك إلى طهران.
وتهدف الزیارة إلى مناقشة الإمكانيات المتواجدة لدى الطرفین لتعزیز العلاقات الاقتصادیة التي بقیت مهملة خلال السنوات الماضیة، بحسب تصريحات لنوفاك.
وأنتجت هذه التطورات حتى الآن توقيعاً علی عدد من التفاهمات الاقتصادیة بشأن التجارة والاستثمار بین الطرفین في قطاعات مختلفة، منها الطاقة والکهرباء والنقل، إلى جانب دراسة الخیارات المتاحة لارتفاع الصادرات الإيرانية إلى روسیا.
من جهته أعلن مساعد وزیر الصناعة الإيراني محمد بیمانباك عن استعداد البلدین تجاوز عتبة العشرة ملیارات دولار للتبادل التجاري خلال السنوات المقبلة بعد أن اتفقت الدولتان علی استخدام آلية دفع مشترکة بدلاً عن نظام سویفت الدولي.
واعتبر نوفاك ممر الشمال – الجنوب التجاري – الذي یمرّ عبر ایران – أهم مشروع تجاري مشترك بین الطرفين، مؤكداً أنّ المشروع یتقدم بشکل بطيء جداً. وکانت قد اتفقت کل من إيران والهند وروسیا علی إنشاء ممر تجاری یخدم المصالح المشتركة خلال العقد الماضي، بینما أطلقت الصین مبادرتها بهذا الشأن من دون أن يكون للهند أو روسيا دور محوری فیها.
والآن في ظل العقوبات الغربیة، تزداد حاجة روسیا الی ممر الشمال – الجنوب، حيث تُعتبر مشاکل إيران البنیویة في شبکة الطرق والموانئ أكبر عقبة أمام تنفیذه.
ووفق وكالة “إرنا”، يرجع التطوّر السریع في العلاقات الاقتصادیة مع موسكو إلى التغيير في رؤية الحكومات الإيرانية، وجاء في تقریر الوکالة: “أدى أمل الحكومة السابقة بتحسین العلاقات مع الغرب إلى إهمال الفرص الکبیرة للتعامل مع القوی الشرقیة، وفي مقدمتها الصین وروسیا”.
ويوضح المندوب التجاري الروسي لدى إيران رستم ريغانشين التطورات الحاصلة في المجال الاقتصادي بقوله: “لقد ارتفع مستوی التبادل التجاري بین البلدین نحو 81% خلال عامین، وهو یتجاوز حالیاً أربع مليارات دولار.
وبینما لم تتكلّل محاولات إيران للحلول مكان ترکیا في صادرات السلع والبضائع إلى روسیا بالنجاح بعد حادثة إسقاط الطائرة الحربية الروسية عام 2015 على يد القوات الجویة الترکیة، تبدو اليوم الفرص تاريخية أمام التجار والمنتجین الإيرانيين لیأخذوا أخيراً حصة من أسواق جارتهم الشمالیة.
وفي هذا الإطار تابع ریغانشین: “لا أقول إنّ السلع الإيرانية تتطابق مع المعاییر والجودة العالمیة، لکن بالنظر إلى أسعارها فلما لا”؟!
وعلّق السفیر الإيراني السابق لدي روسیا على الأمر خلال حوار مع التلفزیون الإيراني: “توفرت فرصة تاریخیة أمامنا بعد إسقاط المقاتلة الروسیة، لکن التخلّف في البنی التحتیة للنقل، إلى جانب بعض التفاصیل المتعلقة بجودة السلع أديا إلى عدم قدرة إيران علی الحلول محل ترکیا وعدم الاستجابة الشاملة لحاجات الأسواق الروسیة”.
ویبدو أنّ العقوبات هي کلمة السر هنا؛ کلمة تفسر القفزة النوعیج في مستوی التجارة بین البلدين، وتوضح في نفس الوقت سبب الإقبال الروسي علی المنتجات الإيرانية، بعکس ما جرى عام 2015.
ولا ننسى أن روسيا كانت من أكثر الأطراف الدولية التي تعاونت مع إيران لمواجهة عقوبات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، حيث فتحت المجال أمام المصارف والتجار الإيرانيين، سواء لتحویل الأموال وتنفیذ العملیات المصرفیة، أو لشراء السلع من أسواق روسیا مباشرةً.
ویأتي کل ذلك بینما ثارت ثائرة جهات عدة داخل إيران بعدما نجحت روسيا بالسيطرة علی جزء کبیر من حصة إيران في أسواق الطاقة الآسيوية، وحتى في مجال تجارة الصلب، بعد أن بادرت موسكو إلى تقديم تخفیضات كبيرة في أسعار نفطها وغازها إلى الصین، الهند ودول آسيوية أخرى.
ورداً على ذلك، طالبت جهات اقتصادیة في طهران – منها غرفة التجارة – الحكومة الإيرانية باتخاذ قرارها لإحياء الاتفاق النووي کعامل یوفر الأرضية اللازمة لخروج البلاد من المأزق الجديد واستعادة حصصها من الأسواق العالمية.
لکن إلى ذلك الحین، یبدو أنّ تعزیز العلاقات مع الحلفاء الشرقیین – ومنهم روسیا – هو خیار إيران الوحید للاستفادة من الظروف الحالیة وتجاوز أزماتها الاقتصادیة، حتی وإن کانت موسكو تحاول في الوقت نفسه السيطرة علی حصة إيران في أسواق أخرى.