
كتب جورج العاقوري
كـأنه لا يكفي اللبنانيين – بمن فيهم المسيحيون – ما يتخبطون به من هموم يومية وهواجس وجودية حتى يتبرّع بعضهم بإيقاظ المخاوف المستدامة الكامنة في لا وعي المكونات المجتمعية. مخاوف مشروعة إن طرأ ما يبرّرها، لكن التوهّم أو الاجتزاء أو التحريف أو التحوير لإبتكار هذا التبرير غير مشروع خصوصاً متى أتى من موقع مؤثر.
هذا ما جرى عقب اصدار وزير العمل مصطفى بيرم قراراً حمل الرقم 96/1 بتاريخ 8/12/2021 متعلقاً بالمهن الواجب حصرها باللبنانيين والذي تناول في المادة الثانية منه الاستثناءات من ذلك والتي تشمل الفلسطينيين المولودين على الأراضي اللبنانية، والمسجلين بشكل رسمي في سجلات وزارة الداخلية والبلديات اللبنانية والأجنبي المولود لأم لبنانية أو متزوجاً من لبنانية، والمولودين في لبنان من حملة بطاقة مكتومي القيد، مع التقيد بالشروط الخاصة بالمهن المنظمة بقانون. وهو أمر لا يحمل أي جديد.
إلا أن اللغط أو الإلتباس، أكان عفوياً أو متعمداً، إن أتى من انسان عادي يبقى محدود التداعيات أما إن أتى من إنسان في موقع المسؤولية فوقعه كبير. هذا ما حصل مع تغريدة رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل تعليقاً على قرار بيرم والذي كان سبّاقاً، فإعتبر أن “قرار وزير العمل السماح للفلسطينيين ومكتومي القيد بممارسة عشرات المهن المحصورة باللبنانيين مخالف لقانون العمل وللدستور وهو توطين مقنع ومرفوض”. كما دعا باسيل النقابات لكسره امام مجلس شورى الدولة، واللبنانيين لعدم التزامه. خاتماً: “ما بتمرق هيك قصة، وما رح نسمح بتشليح اللبنانيين وظائفهم بهالظروف”.
أفتى باسيل أن القرار مخالف لقانون العمل وللدستور، فيما هو في صلب مهام الوزير الذي تنص عنها القوانين إذ يتوجب عليه في شهر كانون الاول من كل عام ان يصدر قراراً يحدد فيه المهن المحصورة باللبنانيين. تحدث عن توطين مقنّع فيما هذا القرار معمول به منذ سنوات والتوطين قرار يتخطى وزير عمل، ويا ليته كان حريصاً على عدم التوطين حين تم تجنيس فلسطينيين في عهدهم عبر مراسيم متعددة.
إستحضار باسيل لفزاعة التوطين هدف الى كسب ودّ المسيحيين الملوّعين من ممارسات الفلسطينيين ومن فائض القوة وعنجهية السلاح اللذين انجبا “إتفاقية إذعان” هي إتفاقية القاهرة عام 1969 وحوادث أمنية متكررة بلغت ذروتها في 13 نيسان 1975 بحرب شاملة دامت 15 عاماً. إلا أن هذه الخطوة لم تأت بنتائجها المرجوة، فهي:
1- لم تنجح بشد العصب من أجل إستنهاض الناخبين المسيحيين عبر التسويق أن باسيل مبدّد لهواجسهم عبر التصدي للتوطين، لأن بيرم نجح بدحضها بالوقائع خلال أقل من 24 ساعة.
2- فاقمت جمر نقمة البيئة الحاضنة لـ”حزب الله” النائم تحت رماد إتفاقية “مار مخايل” تجاه باسيل، لأنه إستهدف وزيرهم ولم يتكلف عناء الاتصال به والاستفسار عن حقيقة الامور.
3- نجحت جزئياً بإستدراج عدد من الاحزاب والمسؤولين المسيحيين لمجاراة باسيل بموقفه وعدد آخر من التهليل لقرار بيرم وكأنه أعطى إمتيازات إضافية للاجئين الفلسطينيين لكسب ودهم على وقع إنضباطية معتادة لدى “حزب الله” بعدم الرّد وتجنب “القوات اللبنانية” الوقوع بفخ الشعبوية عبر استحضار التوطين والسير خلف منطق “يا غيرة اهل الدين”. مع ما يعني ذلك لو نجح من تشنيج إضافي للأجواء في البلاد قد يساهم بالاطاحة بالانتخابات النيابية.
في الخلاصة، موقف باسيل إن أتى عن جهل فهو مصيبة وإن كان متعمّداً فالمصيبة أكبر. إن إستحضاره فزاعة التوطين ليس سوى توطين للذعر في نفوس المسيحيين لغاية في نفس باحث عن أصوات إنتخابية في وطن يترنّح على فوهة بركان.