لا تَدَعوهم يضيّعون أصل المشكلة وماهيّة الحل

كتبت رندلى جبور

عملت الماكينات الإعلامية التي مَربطها في الخارج بنشاط واضح وبتمويل كبير على الساحة اللبنانية طيلة الفترة الماضية وخصوصاً في السنتين الأخيرتين، لدرجة أنّها زرعت في عقول الكثير من اللبنانيين فكرة أنّ كلّ المشكلة في لبنان هي التيار الوطني الحرّ الذي أتى إلى القصر مبارح العصر، وأنّ كلّ المصائب حلّت علينا بسبب التيار وتفاهمه مع حزب الله، وبسبب الأخير ووجود عناصره في سوريا واليمن. فعلاً أمر مضحك لقلة منطقيته!
فهذه الماكينات للأسف، جعلت بعض اللبنانيين ينسون أصل المشكلة وماهيّة الحل.
ونذكّر هؤلاء بأنّ مشكلة لبنان تعود إلى اتفاق الطائف وممارسات وسياسات الحريرية السياسية مذ ذاك، وداخل الحريرية السياسية فاسدون من كلّ الطوائف.
ومن هذه السياسات، تلك المالية المدمِّرة التي رفعت الفائدة بشكل غير مسبوق في أيّ دولة في العالم، فهبط الإنهيار على رؤوسنا اليوم؛ ومنها الإقتصادية التي اعتمدت على الرّيع ودمّرت القطاعات الإنتاجية التي لا تقف دولة على رجليها من دونها، وأرست الإحتكارات فقضت على المنافسة، ما يعني تفلّت الأسعار أو قطع مواد معيّنة بقرار من المحتكرين ساعة يشاؤون؛ وجعلت من كارتيلات النفط والموتورات والأدوية ذئاباً متحكّمة في مفاصل حياتنا التي أضحت بسببهم موتاً؛ وأطلقت يد الفساد في كلّ القطاعات والمؤسّسات حتى صار الفساد هو النمط الرئيسي لممارسة أيّ عمل في إدارة عامة، وملفات الفساد التي قدّمها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى القضاء تشهد على ما كان يحصل مثلاً في الكازينو والمرفأ والجمارك والمطار والأدوية والصرف الصحي وغيرها؛ ومنعت أيّ قوانين إصلاحية من أن تبصر النور، وفرّخت صناديق ومجالس شُغلتها الأساسية تقسيم أرباح السرقات والكوميسيونات على زعماء المنظومة الذين تلطّوا بالطوائف، وباتوا وكأنّ كلّ أحد فيهم حامي الطائفة بينما هو يدمّرها أو على الأقل يدمّر صيتَها، والطائفة تحميه متناسيةً وجودها هي وليس وجود الزعيم ابن المنظومة. وكانت سوليدير وسوكلين، وكان احتلال الأملاك البحرية والإعتداء على النهرية، وتحوّل الوطن شركة تجارية تدار بعقلية مافيوية، وكان التأسيس المُحكَم للإنهيار الآتي والذي نشهده الآن.

ألإنهيار ليس أبداً وليد عهد أو بضع سنوات. هو وليد نظام ومنظومة فساد. فما علاقة التيار الوطني الحرّ بكل هذا النظام وهذه المنظومة؟ وأين كان حين كانوا يبنون وطناً من كرتون وعفن؟ وأين كان حزب الله وحتى محاربوه في كلّ هذه المرحلة التي أسّست للإنهيار؟

لا تدَعوا الماكينات الإعلامية تُنسيكم أصل المشكلة. فماذا فعل التيار ومؤسّسه ورئيسه لنصل إلى هنا؟ أيّ ذنب يحملون ويتحمّلون؟ لا بل هو الوحيد ربّما الذي حاول أن ينقل لبنان من ضفة الفساد والغرق إلى شاطئ الإصلاح والبناء. هو الذي وضع الخطط ولكنّه لم يكن وزيراً للمال يوماً، هو الذي قدّم القوانين الإصلاحية التي يخبّئها رئيس مجلس إدارة المنظومة في جواريره، هو الذي أعطى مقترحات للإنتقال من الإقتصاد الريعي إلى المنتج، هو الذي فتح طريق النفط والغاز، هو الذي أعاد إعطاء الكثير من الحقوق لأصحابها، من المسيحيين إلى المنتشرين إلى أصحاب الكفايات المهمّشين؛ وبعد…
طبعاً منعوه من تحقيق مخطّطاته الإصلاحية لأنّها تكشف فسادهم وتنهي حياتهم السياسية، إن لم نقل ترميهم في السجون. طبعاً عرقلوه ليحافظوا على أنفسهم. طبعاً حاربوه لانّه لا يشبههم، وتعاونوا مع أسيادهم في الخارج ليصوّروه وكأنّه أصل كلّ بلاء. والآن، حملة الشيطنة ستكبر والضغط سيزيد لتتزايد النقمة الشعبية على العهد والتيار والحزب، الذين هم أقل من يتحمّل مسؤولية ما وصلنا إليه، ولتقريش هذه النقمة بخسارة انتخابية في الإنتخابات الآتية. وكلّ ذلك لإعادة لملمة المنظومة ولو بأسماء أخرى، برّاقة أكثر.
نحن مقبِلون على مزيد من التأزيم لكي يصرخ الناس “لا” في وجه غير الخاضعين لأيّ احتلال، في صناديق الاقتراع، بدلاً من أن يحصل العكس.

وإذا كانت المنظومة هي أصل المشكلة، فإنّ الحلّ يبدأ بضرب أحد أركانها فيكرّ الباقون. واليوم هناك فرصة لوقوع أمين صندوقها رياض سلامة، الذي يحاكَم في سبع دول أوروبية، والمومنتوم مناسب لإقالته ومحاكمته خصوصاً أنّه المسؤول الرئيسي عن انهيار سعر الصرف وعدم حماية الليرة الوطنية وهي مصيبة اللبنانيين الكبرى اليوم، عدا عن ملفات تحويل الأموال، وحجب الداتا ما يعرقل التدقيق الجنائي، وتبييض واختلاس وجرائم أخرى. آه نسألكم مَن الذي حوّل الأموال وأضاع مدّخرات المودعين؟ ومَن يعرقل التدقيق الجنائي؟ ومَن المسؤول عن سلامة النقد؟ (التيار ما هيك؟ أو ربّما المقاتلون في اليمن؟(

أيّها اللبنانيون، كونوا شركاء في معركة إسقاط سلامة ليسقط بعده كامل زعماء المنظومة وبالتالي المنظومة، ولا تصوّبوا في المكان الخطأ الذي يأخذكم إليه إعلام مضلِّل وفرقاء منصاعون أو فاسدون أو منصاعون وفاسدون معاً.
إنّها معركة استقلال اقتصادية، فلا تتخاذلوا ولا تضعوا ثقتكم بالقَتلة الإقتصاديين، بسبب كذبة إعلامية!

Read Previous

عبد الملك لموقعنا: هيئة الإشراف على الإنتخابات تحتاج إلى استقلالية تامّة وإلى “عدّة الشغل”.

Read Next

ماذا تفعل الإمارات في الإقليم؟