“النووي الإيراني”… استعصاء الإتفاق بين الرّخاء الإيراني والصفقة المؤقّتة

كتب هادي بو شعيا

قُبيل يومين فقط من عودة استئناف المفاوضات في فيينا والمتعلّقة بالملف النووي الإيراني بين إيران من جهة ومجموعة 5+1 (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، وروسيا والصين)، فضلاً عن الولايات المتحدة الأميركية التي تغيب عن طاولة المفاوضات بسبب رفض إيران الإلتقاء مباشرة بها، ينخفض منسوب الآمال المعلّقة للتوصّل بسرعة إلى اتفاق نووي جديد على عكس الإنطباعات المتفائلة التي كانت سائدة بين الطرفين عند آخر جلسة تفاوض جمعت الأطراف المتفاوضة منذ نحو خمسة أشهر، تحديداً، في شهر حزيران/يونيو الماضي قبل أن تقرّر إيران التوقّف عن التفاوض، مؤقّتاً، بذريعة انتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً جديداً للبلاد.

أمام هذا السيناريو، يشعر فريق عمل الموفد من الإدارة الأميركية، والذي يقبع في المدينة ذاتها وفي فندق مجاور لمكان انعقاد الإجتماعات، أنّ الوقت يداهمهم للحؤول دون منع طهران من صناعة قنبلة نووية. فيما يمضي الإيرانيون بأريحية مطلقة للإفادة قدر المستطاع من مرور الوقت الذي يخوّلهم صناعة هذا السلاح، ممّا يعزّز ويقوّي موقفهم التفاوضي والذي ينطوي على جملة مطالب “قسرية” يتوجّهون بها للمجتمع الدولي عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً.

لعلّ شعور الرّخاء التفاوضي هذا تجلّى بوضوح في تصريحات صدرت في باريس على لسان وكيل وزير الخارجية الإيراني وزعيم فريق بلاده التفاوضي علي باقري الذي قال: “لا يوجد شيء هناك اسمه مفاوضات نووية، بل هي مفاوضات لرفع العقوبات غير القانونية وغير الإنسانية التي تمارسها واشنطن على طهران”. ومن ثمّ عاد باقري ليذكّر بمطالب إيران الرئيسية: أوّلها يجب على واشنطن أن تعترف بذنبها، وثانياً يجب رفع جميع العقوبات دفعة واحدة، وثالثاً التأكّد وضمان عدم تكرار أيّ إدارة أميركية أخرى لخطوة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في الإنسحاب من الإتفاق.

وهنا لا بدّ من طرح سؤال أساسي وجوهري: ما الذي يدفع بإيران إلى رفع سقف التفاوض إلى هذا الحدّ؟

من الواضح أنّ إيران تراهن بشكل أساسي على عامل الوقت الذي يقرّبها شيئاً فشيئاً من صناعة قنبلة نووية. ذلك أنّ مصادر غربية أعلنت أنّه باستطاعة إيران صناعة مثل هذه القنبلة في فترة تتراوح بين بضعة أسابيع إلى بضعة أشهر لحظة اتخاذها مثل هكذا قرار.

يضاف إلى ذلك، أنّه وفقاً لمنظّمة الطاقة الذرّية تمتلك إيران ثمانية عشر كيلوغراماً من اليورانيوم المخصّب بنسبة ستّين في المئة، أي بزيادة ثمانية كيلوغرامات عن شهر آب/أغسطس الماضي، فيما تقول إيران أنّ لديها قرابة خمسة وعشرين كيلوغراماً. وللتوضيح فقط، تجدر الإشارة هنا إلى أنّ الحاجة لتصنيع قنبلة نووية هي عشرون كيلوغراماً من اليورانيوم المخصّب بنسبة تسعين في المئة، لكن رفع نسبة التخصيب من ستين إلى تسعين في المئة يعتبر نسبياً أمراً سهلاً بالنسبة لإيران لبلوغه.

إزاء ذلك كلّه، شكّلت الهجمات العسكرية والسيبرانية التي مارستها إسرائيل ضدّ المنشآت النووية الإيرانية بغية تعطيل وتأخير البرنامج النووي الإيراني، خصوصاً أنّ إسرائيل تُعتبر من أشدّ الرافضين تماماً لعقد أيّ اتفاق نووي مع إيران، انعكس سلباً على المخطّطات التي كانت مرسومة لهذه الغاية ودفع طهران للإفادة من الدروس والإسراع نحو بناء منشآت أفضل تتمتّع بمزايا وحمايات إلكترونية متطوّرة؛ الأمر الذي دفع الولايات المتحدة لمطالبة إسرائيل بالتوقّف عن هذه الهجمات، لكنّ الأخيرة تصرّ على المضي قدماً باستهدافاتها، خصوصاً مع تطويرها قدرات عسكرية أكثر تطوّراً والقادرة على اختراق الجدران الكونكريتية الكامنة تحت الأرض.

إذاً مع اقتناع الغرب بأنّ فرص تحقيق “انفراجة” في المحادثات ضئيلة، تبحث الولايات المتحدة وحلفاؤها خيارات الخطّة البديلة في حال انهيار المفاوضات التي توقّفت لخمسة أشهر كاملة.
وفي حال ما إذا وصلت المحادثات إلى طريق مسدود، فقد تحاول إدارة جو بايدن تجنّب إعلان “موت المحادثات”، وبدلاً من ذلك قد تترك الباب مفتوحاً أمام مقترحات أخرى مؤقّتة دون العودة الكاملة لاتفاق 2015.

وقد يكون أحد الإحتمالات “صفقة مؤقّتة”، إذ يوافق كلّ طرف على اتّخاذ خطوات متواضعة أو بشكل أساسي تجميد الوضع الراهن في انتظار التوصّل إلى اتفاق مستقبلي.

وفي نفس الوقت سيتمّ التعامل مع الصين وروسيا من أجل إقناعهم بأنّ إيران غير مرنة، وإذا ما توصّلوا لهذه القناعة، فإنّ ذلك سيساعد واشنطن على زيادة الضغط على إيران.

ما يعني أنّ زيادة الضغط قد يتبلور عبر تضييق الخناق على مبيعات النفط الإيراني إلى الصين، والتي زادت في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، وأنّ ذلك الإجراء سيكون أوّل ما يتمّ العمل عليه إذا فشلت المحادثات.

ولا يحظى مقترح الإتفاق المؤقّت بقبول إسرائيلي بسبب التوجّس من أنّ أيّ اتفاق مؤقّت قد يصبح اتفاقاً دائماً يُتيح لإيران الحفاظ على بنيتها التحتية النووية ومخزون اليورانيوم لديها.

Read Previous

الغارديان: كان يمكن للدول الغنية منع ظهور متحوّر جديد لكورونا

Read Next

موقع Media Factory News يضيء على انتخابات نقابة المحرّرين.